أعود إلى القراء الأعزاء من جديد بعد فترة سبات طويلة قضيتها في دوامة الأحداث التي تحصل في بلدي الحبيب اليمن والتي إنعكست على حياتي العادية والمهنية حتى أنني فقدت الرغبة في الكتابة وفي التواصل مع أحد ، ولكن ورغم كل ذلك ظل الحنين والشوق إلى الكتابة يغزو قلبي ويحثني على العودة وهذا ما كان ، فالمعذرة من كل القراء الأعزاء وأرجوكم الدعاء بالخير والعافية والحفظ من كل شر و مكروه .
في ظل التقلبات الإجتماعية السريعة فإنه من غير المستغرب أن تستحوذ البيئة الاجتماعية على اهتمام مشروعات الأعمال ومعاهد تعليم الإدارة كردود فعل للتغيرات في القيم والأخلاق في المجتمع حيث حاول العديد من الكتاب تعريف المسؤولية الإجتماعية حيث أورد كيث ديفيس تعريفاً مفاده أن فكرة المسؤولية الإجتماعية
ترتكز على التزام متخذي القرارات بالقيام بنشاطات من شأنها حماية وتحسين المجتمع بشكل عام بالإضافة إلى تنمية وحماية مصالحهم الشخصية ولذلك فإن نتيجة هذه النشاطات هي تحقيق ما يطلبه المجتمع ويسعى إليه من رفع شامل لنوعية الحياة الإجتماعية بأوسع معانيها وفي هذه الحالة يتم التناغم بين أنشطةالمشروعات ومتطلبات المجتمع بحيث تؤدي هذه النشاطات إلى المنفعة الإجتماعية بالإضافة إلى الربح الذي يسعى إليه أي مشروع .
وفي تعريف أخر للبروفيسور جوزف ماغواير مفاده أن المسؤولية الإجتماعية تفترض بأن مؤسسات الأعمال ليس لها أهدافاً اقتصادية والتزامات قانونية فحسب بل وأن عليها ايضاً مسؤوليات تجاه المجتمع تمتد إلى ما هو أبعد من تلك الالتزامات ومن خلال رؤية المحاسب الأول لهذه التعاريف وغيرها فجميعها تدور حول الفكرة الرئيسية للمسؤولية الاجتماعية الناجمة عن التغير في القضايا الأخلاقية والقيمية في المجتمع حيث لم يعد هناك خيار أمام رجال الأعمال إلا أن يتأقلموا نحو هذه التغيرات والعمل على تحقيق التوقعات الاجتماعية الجديدة وقد أصبحت فكرة المسؤولية الاجتماعية توصف بأنها عقد بين منشأت الأعمال والمجتمعات التي تعمل فيها تتمثل في التغيرات في توقعات تلك المجتمعات تجاه انجازات المشروعات الاجتماعية ولفترة طويلة من الزمن كان لمشروع يعتبر مشروعاً مقبولاً من المجتمع اذا حقق الشرطين التاليين :
*يقدم سلعة أو خدمة ذات قيمة للمجتمع .
*أن تظل عملياته داخل نطاق أحكام القوانين السائدة .
فمنذ فترة الخمسينيات فإن مفهوم المشروع المقبول إجتماعياً خضع لتغيرات جوهرية فالشرطان السابقان ثبت أنهما غير كافيين بل اصبح على المشروع واجب تحقيق فرص عمالة متساوية والحد من تلوث البيئة والإستخدام الفعال للموارد الطبيعية ومصادر الطاقة وكل من هذه الواجبات الجديدة قد يمثل قيداً على تحقيق هدف تعظيم الربح .
على الرغم من عدم انكارنا لأهمية الربح كهدف أساسي وضروري للمشروع حيث أنه من المنطقي أن المشروع لن يستمر ويبقى بدون تحقيق أرباح إلا أن الظروف الإجتماعية المحطية بالمشروع قد أثرت على مكانة هذا الهدف فلم يعد الهدف الوحيد بل أصبح أحد الاهداف بعد تغير مفهوم المشروع المقبول إجتماعياً وما فرضه من أهداف إجتماعية بجانب هدف الربح ، فلقد بدأت إدارة المشروع نتيجة للضغوط الإجتماعية تأخذ في الاعتبار عند اتخاذها للقرارات الإدارية مصلحة مجموعات اخرى بجانب مصلحة أصحاب المشروع سواء لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمشروع مثل العاملين - المحاسب الأول - والعملاء والجمهور والمجتمع بمعناه الواسع ولذلك أصبح المشروع يهدف بجانب تحقيق أقصى عائد ممكن لأصحاب المشروع إلى الاهتمام بالعديد من الأنشطة التي تندرج تحت المسؤولية الإجتماعية .
إن على المنظمات أن تكون أداة فاعلة في مجتمعها كونها خلية أساسية هذا من جانب ، ومن جانب أخر يجب على المجتمع المحافظة على هذه المنظمات ورعايتها وبما يسمح لها بممارسة كامل دورها الفعال في المجتمع ضمن أطر وحدود القوانين والنظمة والأعراف والقواعد المعتمدة في المجتمع .
إن مسؤوليات المنظمة ترتب عليها وظائف وواجبات أساسية تجاه المجتمع ترتبط بالمسؤوليات الأتية :
1- المسؤولية الإجتماعية Social Responsibility :
وهي المسؤولية الكبيرة للمنظمة تجاه المجتمع وتمتد إلى التزام المنظمة بتحقيق أهداف المجتمع اضافة إلى اهتمامها بتحقيق أهدافها وبشكل متوازن .
إن درجة الاهتمام أو الالتزام بالمسؤولية الإجتماعية يتراوح بين الاهتمام الذاتي للمنظمة والاهتمام العالي بالمجتمع ولكل من هذين الاتجاهين سلبياته وإيجابياته ولكن على المنظمة بشكل دائم تحقيق التوازن بينهما .
تتمثل المسؤولية الإجتماعية للمنظمة في جانبين أساسيين :
الجانب الأول : تحديد التأثيرات السلبية والايجابية للمنظمة على المجتمع وتتمثل هذه التأثيرات بالاتجاهات الأتية :
1- السلوك الإيجابي للمنظمة : وهي سلوكيات المنظمة الإيجابية في المجتمع والمتمثلة في الالتزام والانضباط التنظيمي بضوابط وقواعد وسلوكيات المجتمع وعاداته وتقاليده إضافة إلى ما تخلفه المنظمة من سلوكيات داعمة للسلوكيات الإيجابية الأخرى في المجتمع وعملها على تصحيح السلوكيات الخاطئه والسلبية وبالتالي توجيه مسيرة المجتمع وتطويره بالإتجاه الصحيح .
2- السلوك السلبي للمنظمة : وهي ممارسة المنظمة لسلوكيات سلبية تؤثر إجتماعياً واقتصادياً في المجتمع كالنشاطات المنحرفة والسلوكيات اللاأخلاقية .
الجانب الثاني : تحديد درجة مسؤولية المنظمة في تأمين احتياجات المجتمع ودعم مسيرته وحل مشاكله وتتمثل هذه بالأتي :
1- التطبيق الجيد والملتزم للقوانين والأنظمة والتعليمات في المجتمع وعدم الالتفاف عليها أو تطبيقها بشكل سيء.
2- احترام ومراعاة الاعراف والعادات والتقاليد السائدة أثناء ممارسة المنظمة لنشاطاتها وبذل الجهود وتطوير هذه العادات والتقاليد باتجاه مواكبتها لحكرة التطور المجتمعي والتقني .
3- الاهتمام بتطوير السلوكيات والأنماط الاجتماعية الايجابية والحد من السلوكيات والانماط الاجتماعية السلبية .
4- دعم النشاطات الاجتماعية الصحية والتعليمية والامنية والثقافية التي تؤدي إلى تطوير المجتمع وتحسين أدائه واستمراره وبقائه .
5- الحفاظ على المؤسسات الاجتماعية وتطويرها ودعمها .
6- تأمين الاحتياجات الاجتماعية للافراد والمجتمع بشكل جيد وكفوء ومستمر لإدامة المجتمع وتأمين بقائه .
2- المسؤولية الأخلاقية Ethical Responsibility :
الأخلاق جزء مهم من سلوكيات المجتمع والأخلاق تحدد أنماط واتجاهات السلوك الأدائي العام للمنظمة والمجتمع ومسؤولية المنظمة دائماً هو أن يكون اتجاهها السلوكي العام منسجماً ومتوافقاً مع الاتجاه السلوكي العام للمجتمع أي أن أخلاقيات المنظمة يجب أن تنطلق وأن تدعم وأن تسير وفق أخلاقيات المجتمع الإيجابية .
إن المسؤولية الأخلاقية للمنظمة لها بعدين :
البعد الأول : التزام المنظمة بأخلاقيات المجتمع واعتمادها في حركتها وأدائها .
البعد الثاني : التزام المنظمة بأخلاقيات المهنة ، فلكل مهنة أخلاق محددة مرسومة وعلى المنظمة أن تحدد أخلاقياتها الوظيفية والمهنية ضمن نشاطاتها المختلفة في المجتمع ولا بد أن يكون هناك توافق دائم بين الأخلاق المهنية وأخلاق المجتمع .
إن المسؤولية الأخلاقية للمنظمة ترتبط بالأتي :
1- الالتزام بالأخلاق والقواعد الأخلاقية ومبادئ الشرف العامة والمهنية للمجتمع واعتمادها كقاعدة ذاتية في سلوكها وتصرفها ضمن المجتمع .
2- الالتزام بالأخلاق المهنية من خلال اعتماد قواعد الاخلاق المهنية في جميع مجالات العمل وتشجيع ودعم وتطوير الأخلاق الإيجابية واعتمادها ومنع والحد من الاخلاقيات السلبية في المهنة .
3- عدم التجاوز على حقوق المجتمع والأفراد لصالح المنظمة وإنما العمل على تحقيق التوازن بين حقوق المجتمع والافراد من جهة أخرى وبما يؤمن اخلاق وقيم العدالة والحق .
4- الالتزام بحقوق الإنسانية وصحة المجتمع وتطوير الأفراد كجزء من المسؤوليات الأخلاقية للمنظمة في الحفاظ على الإنسان وقيمته العليا والمحافظة على صحته لإدامة نشاطه وتطويره مهنياً وأدائياً لرفع كفاءته وزيادة انتاجيته لخدمة المنظمة و المجتمع .
5- الحفاظ على حقوق الأطراف المتعاملة مع المنظمة من دولة ومجتمع ومالكون وعاملون وزبائن ومقرضون وغيره .