لقد تطور الفكر الإداري كثيراً منذ عهد الثورة الصناعية وبروز منظمات الأعمال والتي اختلفت كثيراً عن مجتمعات ما قبل الصناعة حيث كانت الفوضى وعدم تنظيم العلاقات هي السمات السائدة في المصانع وبين العمال ومع دخول العامل عصر التحضر والتمدن والتصنيع الكبير بدأت تتغير أساليب إدارة المصانع حيث أصبح العمال أكثر إلتزاماً بالقواعد والأنظمة ومواعيد الدوام وجداول الإنتاج
وهذا كله يقود دائماً إلى السؤال الأساسي : ما هي الطريقة المثلى لإدارة المنظمة ؟؟ وحيث أن الحصول على إجابة واحدة هو أمر شبه مستحيل في ظل التطورات الكبيرة التي لحقت بالمنظمات فإنه لا بد لنا من المرور على أكثر الأساليب الإدارية شيوعاً والتي كان لها دور في تطوير نظرة المدراء نحو مؤسساتهم وكيفية إدارتها .
وهذا كله يقود دائماً إلى السؤال الأساسي : ما هي الطريقة المثلى لإدارة المنظمة ؟؟ وحيث أن الحصول على إجابة واحدة هو أمر شبه مستحيل في ظل التطورات الكبيرة التي لحقت بالمنظمات فإنه لا بد لنا من المرور على أكثر الأساليب الإدارية شيوعاً والتي كان لها دور في تطوير نظرة المدراء نحو مؤسساتهم وكيفية إدارتها .
ومن هنا في مدونة المحاسب الأول يجب التأكيد على أنه لا توجد وصفة سحرية يمكن أن تطبق على مؤسسة وتحل جميع مشكلاتها كما إن تطبيق أسلوب إداري دون غيره إنما يجب أن ينطلق من خلال الدراسة الواعية والكافية لواقع المؤسسة ، كما أن مدى نجاح أسلوب دون أخر هو ايضاً راجع إلى طبيعة المؤسسة التي طبق فيها وسلوك العاملين وكذلك الأمر بالنسبة للثقافات والحضارات المختلفة فما ينجح في اليابان قد لاينجح في الولايات المتحدة وما ينجح في مصنع للورق قد لا ينجح بالضرورة في سلسلة فنادق سياحية وبالتالي فإن الأساليب الإدارية عادة تنقسم إلى :
1- الأسلوب البيروقراطي :
لقدبدأ استخدام هذا الأسلوب مع بدايات عام 1886 على يد الألماني ماكس فيبر والذي كان عالماً في علم الاجتماع والتاريخ وكذلك درس المشاكل داخل التنظيمات إضافة إلى اهتماماته الواسعة بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية و بشكل عام كانت مؤلفاته عبارة عن رد على التقصير في الأداء داخل المنظمات وهكذا تولدت فكرة البيروقراطية لديه ووضع مبادئها والتي تنص على مايلي :
* تقسيم دقيق للعمل وتعريف محدد للوظائف والمهام وإسناد كل منها إلى موظفين حسب التخصص والخبرة والمهارة فالأشخاص الأقل خبرة يمكن أن يشغلوا وظائف أقل تعقيداً وسهلة نسبياً .
* هيكل سلطات واضح المعالم يحدد السلطات الممنوحة لكل مركز والصلاحيات في اتخاذ القرار والتي تزداد كلما صعدنا إلى أعلى في هرم المؤسسة الوظيفي حيث أن كل مستوى أدنى يخضع للسلطة والتوجيه من قبل المستوى الأعلى منه مباشرة وكذلك يتم تعريف المسؤوليات المناطة في كل مركز ودائرة و على كل مركز برفع تقريره للمركز الذي قبله مباشرة .
* وجود قواعد وقوانين وأنظمة رسمية تحكم العمل تكون عادة مكتوبة وتحكم سلوك الموظفين داخل المؤسسة وتكون كافية لتحقيق انضباط العاملين وبالتالي تحقيق الأهداف العامة للعمل ومثل هذه القوانين من شأنها أن تحقق الثبات للمنظمة بعض النظر عن أي رغبات شخصية للعاملين .
* عدم وجود نواحي شخصية وهي انعكاس للالتزام الشديد بالقواعد الرسمية والمكتوبة حيث لا يوجد شخص يلقى معاملة خاصة بل أن الأداء هو الحكم في اختيار وترقية الموظفين .
* لقد فضل فيبر السلطات الممنوحة للعاملين على أساس عقلاني قانوني بمعنى أن السلطة تكون منوحة للشخص بناء على مركزه داخل المؤسسة بغض النظر عن أي دوافع ومزايا شخصية فالمركز الأعلى سلطاته أقوى و أكبر تأثيراً والعكس صحيح وقد استبعد فيبر نوعان من السلطة داخل التنظيم واعتبرهما مثبطين للأداء المؤسسي :
1- السلطة التقليدية : وهي تستمد من بعض الأعراف والعادات والتقاليد .
2- السلطة الذاتية الكاريزماتية : وتأتي عبر بعض المزايا الشخصية في الأفراد والتي يراها الآخرين به وتشجعهم على الاقتداء بآرائه دائماً في غير دليل منطقي في معظم الأحيان .
* هناك التزام طويل الأمد بالوظيفة ممكن أن يمتد إلى طول الحياة بحيث تكون المؤسسة والفرد ملتزمين تجاه بعضهما البعض مما يوفر عنصر الأمان والرضا الوظيفي طالما أن الفرد مؤهل وأداؤه جيد وهناك العديد من الطرق التي تستخدمها الإدارة لتحقيق هذا المبدأ مثل زيادات الرواتب ، التأمين الصحي والإجتماعي والحوافز .
هناك بعض الفوائد نتيجة تطبيق أسلوب الإدارة البيروقراطي منها الحصول على نتائج مرتفعة في الأداء للأفراد نتيجة الالتزام الشديد بمعايير الأداء وابتاع الإجراءات حيث توضع هذه المعايير بشكل يوصل إلى أهداف المؤسسة وتكون البيروقراطية من أفضل الأساليب إذا واجه التنظيم بيئة عمل معروفة وغير متقلبة ويمكن التوقع بخصومها وإذا كانت الأعمال المطلوبة روتينية لا تتطلب جهداً إبداعياً بل اتباع قواعد العمل فقط .
ومن المآخذ على الأسلوب البيروقراطي :
* هناك تصلب وتشدد في القوانين والتشريعات مما يضع حداً للحرية الفردية وإمكانية الإبداع والتطوير كما أن الكثير من وقت العمل قد يضيع ليس لمصلحة العمل بل لاتباع القواعد من اتباعها فقط مما يصيب الإدارة بالتحجر وتصل إلى نقطة بحيث تريد استخدام الوسائل دون النظر لأهمية تحقيق الهدف منها وتصبح الوسائل غايات في حد ذاتها .
* الحفاظ على السلطة الفردية لكل مركز مما يؤدي بالموظفين إلى القيام بالحد الأدنى من العمل والإنتاجية بينما يحافظون بل ويوسعون من نطاق سلطاتهم .
* البطء الشديد في اتخاذ القرارات وذلك نتيجة للتمسك الشديد بالقوانين والأنظمة حيث تتطلب المنظمات الحديثة سرعة في مواجهة المواقف وتفويض صلاحيات معينة للعاملين بما يستطيعون بواسطتها التصرف إزاء أمر ما .
* البيروقراطية لا يمكن أن تنجح في منظمات تتميز بيئة العمل بها بالتقدم التكنولوجي السريع حيث يتطلب ذلك تطوير وسرعة في الإجراءات .
وبشكل موجز فإن البيروقراطية إذا ما تم اعتبارها أسلوب للإدارة - حيث أنها تعتبر مدرسة - فإنها منتقدة لسلبياتها العديدة وعدم تجاوبها مع تطور بيئة المنظمات وأساليب العمل إلا أن العديد من الدارسين يحاولون متى تنجح ومتى لا تنجح البيروقراطية واستخلاص أفضل النتائج والإيجابيات منها فقد تكون الفكرة صحيحة في جوهرها ولكن يحتاج الأمر إلى اساليب مختلفة للتطبيق .
2- الأسلوب السلوكي :
خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي حصلت تطورات قوية وجذرية على الصعيدين الاجتماعي والثقافي حيث تحسنت مستويات المعيشة وظروف العمل وشهدت تلك الفترة أيضاً اندفاع شديد في مستويات الانتاجية وانخفضت ساعات اعلمل من 70 ساعة اسبوعياً إلى حوالي 50 ساعة .
وخلال الثلاثينيات وعقب فترة الكساد العظيم الذي اجتاح الولايات المتحدة ظهرت نقابات العمال والتي أصبح همها الدفاع عن حقوق العاملين وتحسين ظروف العمل ورفع أجورهم والقيام بدور المفاوض أمام المصانع والمنظمات ونتيجة لكل ذلك اصبحت المنظمات تهتم بالجانب الإنساني لها والمتمثل في الموظفين وظهر بذلك الأسلوب السلوكي أو اسلوب العلاقات الإنسانية في الإدارة والذي يعرف بأنه الطريقة التي تساعد وترشد المدراء للتعامل بشكل كفؤ مع الجانب الإنساني للمنظمة اي العاملين وكيفية وجيههم والاتصال معهم .
لقد ركز هذا الأسلوب على فهم وتحقيق العلاقة بين تلبية حاجات العمال النفسية والاجتماعية وتأثير ذلك على إنتاجية العمل بشقيها النوعي والكمي ويرتكز هذا الأسلوب الإداري على أربع قواعد أساسية :
* أن العمال يتم حفزهم عبر حاجاتهم الاجتماعية والشعور بتحقيق ذاتهم عبر أعمالهم وذلك بالتعاون فيما بينهم .
* يشعر العمال بحس من المسؤولية عند التعرض لبعض القوى الإجتماعية على زملائهم وليس عبر البواعث والحوافز المالية المقدمة من الإدارة .
* يخلص العمال للإدارة حين تساعدهم في تلبية حاجاتهم النفسية والإجتماعية .
* يجب على المدراء محاولة تحقيق أهداف العمل عبر طريقة ديمقراطية للعمل بفعالية .
من أبرز المنادين بهذا الأسلوب ماري فولييت والتي اعتبرت أن الإدارة هي عملية متواصلة لا ثابتة جامدة وقد ركزت على إشراك العاملين في حل مشاكل العمل وعلى مرونة الإدارة تجاه موظفيها كذلك تبنت أهمية التواصل بين الإدارة والموظفين حيث تكون النتيجة اتخاذ قرارات تصب في مصلحة العمل كما اعتقدت أن العامل هو مجموعة من الأفكار والمشاعر والأحاسيس ويجب على الإدارة تلمس هذا الجانب وفهم نفسيات العاملين كذلك من أجل حل اي صراعات مع الإدارة .
ثم جاء تشستر برنارد الذي اعتبر أن المنظمة عبارة عن نظام اجتماعي يتطلب تعاون الجميع بأقصى طاقات التواصل من أجل الوصول إلى الأهداف المرسومة كذلك فقد أوجد برنارد نظرية تقبل السلطة حيث أن الموظفين سوف يتبعوا رؤسائهم حيثن يفهموا ما هو مطلوب منهم ويعتقدوا أن ذلك سوف يسهم في تحقيق أهداف المنظمة ويرون في ذلك تحقيق منافع إيجابية لهم .
ومن المنادين بهذا الأسلوب أيضاً إلتون مايو الذي قام بدراسات على شركة الكهرباء الغربية في مشروع هوثورن في شيكاغو في الولايات المتحدة ما بين عامي 1924 - 1933 حيث درس مجموعتين من العمال وقام بتعديل وتغيير ظروف العمل مثل الإضاءة وفترات الاستراحة وتأثير ذلك على إنتاجية العمل مع بقاء جدول الرواتب ثابتاً ، وقد لاحظ زيادة في إنتاجية هؤلاء العمال بالرغم من الإضعاف من ظروف العمل حيث استنتج أنه عندما تم الاهتمام والعناية بالعاملين بنسب بسيطة انعكس ذلك بشكل جيد في تحسن إنتاجيتهم بغض النظر عن ظروف العمل وهو ما يعرف بتأثير هوثورن .
إذن فالأسلوب السلوكي يرتكز على العنصر الإنساني في إدارته للمنظمة وطرق الحفز والاتصال إلا أنه لا يخلو من الانتقادات منها أن الجانب المعنوي للمؤسسة ليس كل شيء فالجوانب المادية والاقتصادية تلعب دورها المهم كذلك مثال حي على ذلك أنه لو افترضنا أن العامل يحب العمل مع زملاء معينين يجد في ذلك متعة وإشباع لرغباته فإن ذلك لن يلغي بعض العوامل الهامة مثل وجود ظروف عمل جيدة ورواتب جيدة والتي هي في الحقيقة عوامل ذات أهمية عند التخطيط للوصول نحو إنجاز مرتفع للعمل .
3- الأسلوب الموقفي :
تم تطوير هذا الأسلوب في الإدارة في منتصف الستينيات وذلك للإجابة عن سؤال جوهري : لماذا ينجح أسلوب معين في الإدارة في إحدى المنظمات ولا ينجح في الأخرى ؟؟ بل بشكل اكثر تحديداً لماذا ينجح في موقف دون آخر ؟؟ على سبيل المثال لماذا يكون دعم الموظفين عن طريق الحوافز المادية مؤدياً إلى تخفيض نسب الغياب في أحد الفنادق دون غيره ضمن نفس السلسلة ؟؟
فالأسلوب الموقفي يعتمد بشكل كبير على معطيات الوضع الحالي وما يناسب منظمة ما قد لا يناسب الأخرى حيث أنه ومن الممكن أن يتم استخدام عدة أساليب مع بعضها بشكل توليفات معينة أو بشكل إفرادي للتعامل مع المشكلة الحالية .
ودور المدير عادة هو في فحص وتشخيص الوضع وتحديد معطياته بدقة حيث يتطلب ذلك وجود مهارات تحليلية وإدراكية وأساليب اتصال مما يدعم جودة قرارهم في اتباع أسلوب دون آخر .
ويسجل لهذا الأسلوب أنه مرن بحيث يأخذ من كل الأساليب والطرق والأفكار الإدارية ويجمع بينها أحياناً ويجب على المدراء عدم التقيد والالتزام الحرفي بأسلوب دون آخر فلا بد من فهم الاستفادة من جميع وجهات النظر وتطبيق ما ينفع منها بما يواكب التطورات التي تمر بها المنظمة وباختلاف المواقف التي تعترضها .
ومن الانتقادات لهذا الأسلوب أنه يحاول توحيد الأساليب الإدارية ودمجها وأنه لا يعتبر فكرة جديدة في حدا ذاتها إلا أنه يعتبر حقيقة تطوير في الأسلوب الإداري الحديث وفي تنشيط مهارات التفكير والتشخيص لدى المدراء .