تتخذ مختلف المنظمات عادة قرارات في محيط عدم التأكد وبالتالي فإن صنع القرارات تلك سوف تؤثر على مستقبل المنشأت أو المنظمات ومن نافلة القول أن توقعات المستقبل هي أجدى لمديري المنظمات من التوقعات غير المدروسة وهذا ليس مدعاة إلى نبذ بعض سمات الفراسة لقراءة المستقبل عند بعض مديري المنظمات أو المنشأت ، لكن ثمة تطور في أساليب وتقنيات التنبؤ أو التوقع التي ترفد ملكة الفراسة وحسن الإدارة لصانع القرارات ومن هنا لا بد من صانع القرارات أن يعي ويفهم الأساليب والتقنيات الكمية والنوعية للتنبؤ أو التوقع .
إن الأفراد يملكون معرفة فريدة داخلية ليست متوفرة للأساليب الكمية ولقد أظهرت الدراسات الميدانية وتجارب المختبرات أن توقعاتهم ليست أكثر سلامة من توقعات الأساليب الكمية إذ أن الأفراد يتسمون بالتفاؤل وعدم حسن حالة عدم التأكد إضافة إلى ذلك فإن تكلفة التوقع بمقتضى تبني الأحكام الذاتية أكبر من تكلفة التوقع بالأساليب الكمية .
إن المتوقع السليم هو الذي يتمكن بمهارة عالية من التوفيق بين أساليب التوقع الكمية وأساليب إصدار الأحكام الذاتية ولا يبالغ في الاعتماد على أحد مصدري التوقع السابقين ، ويتم هذا التوفيق باعتبار نتائج أساليب التوقع الكمية كنقطة الانطلاق للتنبؤ الفعلي بالمخارج العامة للمنشأة أو المنظمة أما تحليل الأحكام الذاتية أو تلك الأحكام المتعارف عليها وأحكام الخبرة يتم في ضوئها قراءة نتائج الأساليب الكمية .
لكن بحكم التغير المتسارع لمحيط عمل المنشأت والمنظمات في مسار تطور التكنولوجيا وتطور حقول المعرفة ونشاطات الحكومة البارز وارتفاع حدة التنافسية على المستوى المحلي ومستوى التجارة الدولية لمختلف الصناعات وزيادة الوعي من خلال ظهور مختلف الجمعيات لحماية المستهلك أو لحماية البيئة فإن هذه العوامل أنتجت محيطاً يجعل من المنشأت التي لا تتجاوب بسرعة وجدية مع هذه الظروف المتغيرة في قراءتها وتوقعها للمستقبل بدرجة من المصداقية والصحة أن تترك الحلبة وتنسحب من السوق .
كما أن هذه العوامل ولدت اتجاهاً نحو الاعتماد على أساليب التوقع التقنية ذات الكفاءة العالية في معالجة البيانات فأضحى التوقع مصدراً لا مناص من تجنبه سواء من قبل منشأة صغيرة أو متوسطة أو كبيرة الحجم منشأة عامة أو خاصة وذلك للتخطيط لظروف المستقبل الذي تشوبه معرفة غير مكتملة .
وثمة احتياج للتوقع أو التنبؤ في مختلف المجالات الاقصاد ، المالية ، التسويق ، إدارة الأفراد ، الإنتاج وهنا بعض الأمثلة فقط سأقوم بسردها للتوضيح ولن يتم التطرق اليها بالشرح في هذه التدوينة مع العلم بأن هذه الأمثلة تستلزم عملية التنبؤ :
* تأثير ارتفاع ميزانية الانفاق الإعلامي على مبيعات المنشأة
* العوامل المؤثرة على المبيعات الشهرية للمنشأة
* هل ثمة توقع في حدوث كساد بالاقتصاد
أنواع التوقع
تكون أساليب التوقع مصنفة إما التوقع على المدى الطويل أو التوقع على المدى القصير ، إن توقعات المدى الطويل تخص تلك الأساليب التي تستقرئ مسار المنظمات من خلال أهداف المنشأة المرجوه على المدى الطويل وهي عادة من اهتمامات رجال الإدارة العليا أما التوقعات على المدى القصير فهي الأساليب التي تصمم استراتيجيات القرارات للمستقبل القريب وهذه من مهام رجال الإدارة الوسطى للمنشأة ، كما يمكن تصنيف التوقع بمقتضى نظرة كلية أو جزئية فقد يكون اهتمام رجال الإدارة العليا بالتوقع بحجم مبيعات المنشأة ( توقع كلي ) في حين يكون اهتمام مدير التسويق بالمنشأة بالتوقع بحجم مبيعات بعض مندوبي المبيعات ( تسويق جزئي ) .
لكن ثمة اهتمام متزايد بالتوقع الكلي على مستوى النشاط الاقتصادي برمته لبلده وهو ما يعرف بالتوقع الاقتصادي الكلي مثل التنبؤ بمعدل البطالة أو الناتج الكلي أو معدل التضخم وغيرها أي بما يعرف بالمجمعات الاقتصادية حيث تعتمد السياسات الاقتصادية على استقراء أهم المؤشرات الاقتصادية المتمثلة في هذه المجمعات لذلك تم تطوير وتحسين أساليب التوقع لهذه المؤشرات الاقتصادية التي تدلي بأداء الاقتصاد وثمة طريقتان :
* طريقة تعتمد على تحليل السلاسل الزمنية لهذه المجمعات الاقتصادية
* طريقة تهتم بدراسة الخصائص الاحصائية للبيانات الاحصائية التاريخية
لكن ما يصادف سبل تطوير توقع سليم لهذه المجمعات الاقتصادية هو التغير المفاجئ لبعض العوامل الاقتصادية الهامة كالتغير المفاجئ في أسعار البترول ، بروز التضخم فجأة وتغير بعض المؤشرات الاقتصادية العالمية مما دفع إلى التساؤل عن اعتماد نماذج التوقع المطورة لهذه الغاية أو الرجوع إلى الأحكام الذاتية .
خطوات التوقع
كل أساليب التوقع المتعارف عليها تعمل على تمديد عمل تجارب الماضي إلى عمل المستقبل غير الأكيد وبالتالي اعتماد فرضية أن الظروف التي انتجت البيانات الماضية لظاهرة هي نفسها التي تنتج بيانات مستقبل الظاهرة ما عدا تلك المؤشرات التي يشيد بها نموذج التوقع المطور بمقتضى هذه المنهجية فثمة أربع خطوات لعملية التوقع :
1 - جمع البيانات الإحصائية
2- فحص وتلخيص البيانات الإحصائية
3- صياغة نموذج
4- صياغة نموذج توقع وفيما يلي شرح مبسط لهذه الخطوات .
الخطوة الأولى : تتطلب جمع البيانات الإحصائية الملائمة والتحقق من سلامتها من أخطاء القياس وهذه أهم خطوة لأن المراحل اللاحقة للتوقع تعتمد على كيان هذه البيانات الإحصائية .
الخطوة الثانية : فحص وتقليص البيانات عملية جوهرية لأن غزارة البيانات أو قلتها لها نفس المساهمة في عملية التوقع لأنه يمكن الاستغناء عن بعض البيانات التي لا يمكن ان تقلص من سلامة التوقع كما أن بعض البيانات قد تكون صالحة لفترة محددة فقط فمثلاً التوقع بمبيعات السيارات ذات الحجم الصغير بالدول الصناعية لا يتطلب بيانات إحصائية لمبيعات هذه السيارات تعود إلى فترة خمسين سنة ماضية وانما قد تكفي بيانات مبيعات هذه السيارات منذ حادث حظر البترول العربي بالسبعينيات .
الخطوة الثالثة : صياغة النموذج تتطلب توفيق أو ملائمة البيانات الإحصائية المجمعة لنموذج توقع مناسب يهدف إلى تقليل هامش خطأ التوقع ويجب التنويه هنا بالاعتماد على نموذج توقع بسيط وغير معقد يلقي الفهم والاستيعاب من قبل صانعي القرارات ويتم هنا الاستعانة بالأحكام الذاتية .
الخطوة الرابعة : هي اعتماد نموذج التوقع في استقراء المستقبل وتعتمد سلامة عملية التوقع على البدء بالتوقع بفترات حديثة حيث أن البيانات التاريخية معروفة ، بعد ذلك يتم متابعة أخطاء التوقع وتلخص بطريقة ما ، إما من خلال جمع القيم المطلقة لأخطاء التوقع أو قسمتها على عدد محاولات التوقع لتحصل على متوسط لأخطاء التوقع ، بعض الأساليب تعتمد على متابعة قيم أخطاء التوقع على فترة التوقع وبالتالي متابعة سلوك هذه الأخطاء التوقعية يؤدي إلى مراجعة أسلوب وتقنية التوقع وتطورها .
توقع الطلب
التوقع هو قراءة توقعية للمستقبل وهو مطلب لمختلف المنظمات ربحية أو غير ربحية خاصة أو حكومية كما أن التوقع يكون على مستوى جزئي أو على مستوى كلي ، أما فيما يتعلق بعملية التوقع بالنسبة للمنشأة الربحية فإن عملية التوقع تشمل مختلف أقسام المنشأة بمستوياتها المختلفة فمثلاً تقدير مبيعات المنشأة ضروري من أجل التخطيط السليم لمستقبل مستويات الإنتاج فالمدير المالي أو المحاسب الأول يقوم بتوقه التدفقات النقدية المستقبلية للمنشأة وهذا يتطلب التوقع بمستقبل المبيعات والإنتاج والإيرادات والتكاليف ومختلف المدفوعات والإنفاق الرأسمالي ومن أجل التخطيط للإنفاق الاستثماري للمنشأة يتم التوقع بمستقبل النشاط الاقتصادي ومستقبل العوائد من رأس المال ومستقبل ظروف الإئتمان .
ومجمل هذه التوقعات كلها تدور حول التوقع بمستقبل الطلب الذي تواجهه المنشأة خاصة وان الاقتصاديات المعاصرة تسودها سيادة المستهلك وبديهي أن أحسن التوقعات هو الذي يساهم في تخفيض حالة عدم التأكد لمحيط المنشأة الذي تتخذ به القرارات لصالح مستقبل المنشأة ودرجة تعقيد تقنيات نموذج توقع تعتمد أساساً على طبيعة المشكلة التي يراد التوقع بها .
ففي الحالات التي يلتمس بها قرار على فترة المدى القصير فإن نموذج التوقع الملائم لذلك يكون نموذجاً توقعياً بسيطاً يعتمد على فرضية أن قراءة المستقبل هو نفسه قراءة الحاضر أما في تلك الحالات التي ينشد التوقع على فترة المدى الطويل إذا كانت عملية ارتكاب خطأ توقعي سوف يكلف المنظمة تكلفة باهظة فإن استخدام نموذج توقع معقد يكون مطلباص مبرراً .
وثمة مجال واسع لتقنيات التوقع التي يمكن اختيارها تمتد من نماذج بسيطة الى نماذج معقدة وأهم هذ التقنيات :
1 - تقنيات التوقع الساذجة
2- تقنية صندوق جينكينز
3- تقنيات المسح
4- النماذج الاقتصادية القياسية
5- تحليل المدخلات / المخرجات