إن طبيعة صناعة النفط تخلق مشاكل محاسبية تجعل معالجتها مختلفة عن المعالجة المحاسبية لأي مشروع أخر فعامل عدم التأكد تتميز به هذه الصناعة دون غيرها ، كذلك هناك اعتبارات الضرائب وما تتطلبه قوانينها وتعليماتها وما لذلك من أثر على حسابات شركة النفط المعنية وثمة عامل أخر هو كبر حجم هذه الشركات وتعقيد عملياتها مما يجعل الكثير منها يتبع النظم المحاسبية التي تسودها فلسفة العملية والسهولة .
النظام المحاسبي لشركات النفط
يتكون النظام المحاسبي بصفة عامة من كل السجلات التي تستخدم في تسجيل وتلخيص العمليات الخاصة بالمشروع بكافة أنواعه بالإضافة إلى مجموعة من الأوراق والمستندات التي تؤكد صحة العمليات المسجلة مع وجود تعليمات واضحة عن كيفية الأداء ، لذلك نجد أن لكل مشروع نظامه المحاسبي الخاص الذي يختلف باختلاف طبيعة عمله ( صناعي أو زراعي أو تجاري ...إلخ ) وحجم نشاطه متعدد العمليات أو قليلها وشكله القانوني من ملكية فردية أو شركة أشخاص إلى شركة أموال ، ومهما يكن من أمر اختلاف النظم المحاسبية إلا أن أي نظام محاسبي جيد يجب أن يحقق الأهداف التالية :
1- أن يخلق معلومات وبيانات مفيدة من حيث نوعها وطريقة اعدادها وتكوينها وعرضها كأن يميز بين المصروفات الإيرادية والمصروفات الرأسمالية ويسهل عملية مقابلة التكاليف بالإيرادات .
2- أن يزود الإدارة بسجلات كاملة منتظمة بأقل التكاليف ويسهل عملية التحليل ومقارنة مجمل التكاليف مع مجمل الإيرادات التي تخص مراكز التكاليف المختلفة .
3- أن يشمل وسائل للضبط والرقابة بحيث يمكن الاعتماد على المعلومات والبيانات التي يخلقها والإطمئنان إليها من أجل تزويد الادارة بالمعلومات اللازمة لتحديد المسؤولية والرقابة على الانتاج من جهة وممتلكات المشروع من جهة أخرى .
4- أن يكون قادراً على مقابلة احتياجات المشروع وظروفه المالية ومدى اتساع اعماله وزيادة حجم استثماراته مع سهولة استيعاب النظام نفسه وفهمه حتى يتسنى للقائمين على تنفيذه سرعة الإلمام به .
ويتكون النظام المحاسبي من العناصر الأساسية التالية : المستندات ونظم أو نظريات القيد ، والدفاتر والسجلات ، ونظم الضبط والرقابة ، وتختلف هذه العناصر باختلاف النظم المحاسبية المطبقة في شركات البترول نظراً لاختلاف أحجام هذه الشركات وطبيعة العمليات التي تقوم بها فمنها الشركات التي تقوم بجميع نشاطات هذه الصناعة من الاستخراج الى التكرير والنقل والتسويق ومنها ما يقوم باستخراجه فقط ومنها ما يقوم بتوزيعه فقط ....إلخ ، كذاك فإن استغلال البترول قد تقوم به هيئات مختلفة من الأفراد ( ملكيات فردية ) الى شركات التضامن ( شركات اشخاص ) الى شركات المساهمة ( شركات أموال ) أو حتى مؤسسات حكومية في بعض البلاد .
ومن هنا تأتي صعوبة وصف نظام موحد للمحاسبة في شركات انتاج البترول فالتوحيد في السياسات المحاسبية والنظم ليس من صفات صناعة انتاج البترول ولكن هذه الحقيقة لا تمنع وجود فروص ومبادئ وسياسات محاسبية متعارف عليها في هذا المجال وهو ما سأتطرق إليه مع بيان اختلاف محاسبة البترول عن باقي أنواع المحاسبة الأخرى .
الوحدة المحاسبية في محاسبة النفط
جرت العادة على اعتبار منطقة عقد الامتياز وحدة محاسبية تحمل بما يخصها من المصروفات وينسب اليها ما تنتجه من ايرادات وهكذا نجد معظم شركات النفط تمسك ضمن حساباتها في دفتر الأستاذ العام حساباً للعقود غير المطورة أو غير المعدة وأخر للعقود المنتجة وعند تعدد العقود التي تملكها الشركة فإن الأمر قد يقضي امساك دفتر استاذ مساعد للعقود غير المعدة وأخر للعقود المنتجة بجانب الحسابين الاجماليين .
ويعتبر كل عقد كأصل من أصول الشركة بحيث يحمل بكل النفقات التي تعتبر من تكلفة ذلك الأصل مثل المصروفات التي أنفقت في سبيل الحصول عليه أو على عمليات الاستكشاف بمنطقة العقد والتي تمت رسملتها أي عولجت كجزء من تكلفة العقد ويشمل ح العقود غير المعدة هذا تكلفة المناطق التي لم تصبح منتجة بعد .
أما ح العقود المنتجة فتنتقل إليه تكلفة كل العقود التي كانت تحت الاعداد وأصبحت منتجة كما يحمل بالمصروفات الراسمالية الأخرى التي تنفق على هذه العقود لإعدادها للنتاج وتمسك اغلب الشركات كما سبق التوضيح دفتر استاذ مساعد للعقود غير المعدة لاختصار الوقت وتسهيل عملية تحويل الحساب لأن هذا الدفتر يكون ذا أوراق سائبة بحيث يظهر حساب كل عقد في ورقة منفصلة عن الأوراق الأخرى وهكذا عندما يكتشف النفط تتم عملية النقل محاسبياً وفعلياً لأوراق العقد المعني من العقود غير المعدة إلى المعقود المنتجة .
أما الحساب الثالث في هذا الصدد فهو الحساب المعلق أو المؤقت حيث أن من اهم خصائص محاسبة النفط أن الشركات تنفق مصاريف مختلفة يصعب تحميلها الى الحسابات التي تخصها وقت انفاقها ولا يمكن تخصيصها أو نسبتها الى حساب معين على اساس سليم الا بعد مدة ولذلك تظهر هذه المصروفات في حسابات مؤقتة معلقة حتى يمكن تخصيصها وتحميلها الى الحسابات الخاصة بها ومن أمثلة هذه الحسابات ح عقود امتياز معلق أو ح منطقة عقد امتياز معينة .
أسباب اختلاف محاسبة النقط عن أنواع المحاسبة الأخرى
تختلف محاسبة النفط عن أنواع المحاسبة الأخرى نظراً للأمور الجوهرية التالية :
1- وجود عامل عدم التاكد فبينما نجد بقية الصناعات وأنواع النشاط الاقتصادي المختلفة تستطيع التنبؤ بكثير من الدقة لنتائج عملياتها المختلفة ، نجد شركات صناعة النفط لا يمكنها مثل هذا التنبؤ بالرغم من تقدم العلوم الجيولوجية والجيوفيزيقية فقد دلت الاحصاءات على أن 95 % من المناطق النائية التي تؤجرها الشركات النفطية في الولايات المتحدة تظهر على أنها غير منتجة أو منتجة ولكن بشكل غير تجاري ومن هنا نرى ميل الغالبية العظمى من الشركات العاملة في هذا الميدان الى اعتبار مصاريف الحفر والاستكشاف والإعداد إيرادية على عكس ما يقد يتم في معالجة المصاريف في انواع النشاطات الأخرى حيث يتم رسملتها أو توزيعها إلى إيرادية ورأسمالية تبعاً لمقاييس متنوعة أهمها حجم المصروف وطبيعته ودوريته والسياسة المالية المتبعة في المشروع وسبق التطرق الى هذا الموضوع في تدوينة النفقات الإيرادية والنفقات الرأسمالية Capital & Revenue Expenditure
2- اعتبارات الضرائب وما تتطلبه قوانينها وتعليماتها وما لذلك من اثر على الحسابات المالية للشركات في هذا المجال ومن هنا نجد أن شركات النفط تحتفظ في أغلب الأحيان بنسختين من السجلات واحدة للشركة نفسها وأخرى لأغراض الضريبة وهذا ما يمكن أن نسميه التهرب الضريبي حيث تعالج المصروفات الأولية ( الاستكشاف والحفر ) كرأسمالية للأغراض المالية وإيرادية لأغراض الضريبة ، كما يحسب النفاذ منسوباً الى التكلفة للأغراض المالية وعلى اساس نسبة معينة من اجمالي أو صافي الربح لأغراض الضريبة .
3- كبر حجم الشركات وتعقيد عملياتها مما يحدو هذه الشركات الى اتباع فلسفة السهولة والعملية فحيثما وجد تضارب بين العملية والصحة النظرية يوجد ميل كبير الى اتباع النظام الذي يعطي الاجابة السريعة ويقلل من التعقيدات والتحاليل .
4- ضرورة تعديل انتاج شركات النفط بين الحين والأخر لتتماشى مع قوانين الدولة التي تعمل بها مع عدم تمكن هذه الشركات في أغلب الأحيان من تحديد سعر بيع الوحدة بل يخضع ذلك للسعر المعلن من قبل منظمات متخصصة كالأوبك مثلاً .
فروض ومبادئ وسياسات محاسبة النفط
يمكن تلخيص الفروض والمبادئ والسياسات المحاسبية الأساسية المتعارف عليها في محاسبة النفط كالأتي :
1- الفروض :
أ- ثبات قيمة العملة
ب- الشخصية المعنوية للمشروع
ج - استمرارية المشروع
للمزيد على هذا الرابط : http://almohasb1.blogspot.com/2009/01/accounting-postulates.html
2- المبادئ :
أ - التكلفة التاريخية
ب- مقابلة الايرادات بالنفقات
ج- تحقق الإيراد
للمزيد على هذه الروابط :
3- السياسات :
أ - الحيطة والحذر
ب - الأهمية النسبية
ج - الثبات
د - الشمول أو العلانية التامة ( الإفصاح التام )
وفيما يلي عرض موجز لهذه الفروض والمبادئ والسياسات وتأثيرها في حسابات النتيجة وقوائم المراكز المالية في شركات إنتاج النفط مع بيان تطبيقاتها في تلك الصناعة .
الفروض المحاسبية
أ - فرض ثبات قيمة العملة : نعلم جيداً أن غرض المحاسبة الأول هو القياس وحتى يكون القياس ذا معنى تستعمل النقود كوحدة له كما يفترض ثبات قيمة هذه الوحدة بالرغم من تذبذبها في الواقع المشاهد يومياً ومع ذلك لا زالت هذه الفرضية تستعمل في محاسبة النفط بالرغم من الاعتراض الكبير الذي تقابل به في ظل موجة التقلبات والازمات المالية هذه الأيام مما دعا البعض الى اتباع بعض المبادئ التي تتمشى مع ذلك .
ب - فرض الشخصية المعنوية للمشروع : تهتم المحاسبة بالمشروع كوحدة اقتصادية منفصلة عن شخصية المالك فللمشروع إذن شخصية مستقلة عن صاحبه وهكذا حتى اذا كان الشخص الواحد يملك أكثر من مشروع والمتعارف عليه محاسبياً تجاهل علاقة الإدارة والملكية بين تلك المشروعات والنظر إلى كل منها باعتبارها وحدة مستقلة عن المالك من ناحية وعن بقية المشروعات الأخرى من ناحية أخرى ، وهذا الفرض متبع في شركات انتاج النفط إذ أن للشركة شخصيتها المستقلة عن مالكيها حيث لا تظهر اية حسابات شخصية لهم بالإسم وانما تتمثل معاملاتهم مع الشركة في حسابات بديلة كالحسابات الجارية ورؤوس الاموال وما شابه ذلك .
ج - فرض استمرار المشروع : وهذا يعني أن الوحدة المحاسبية ستستمر في نشاطها لأجل غير محدود وأنها لن تصفي في المستقبل القريب ويترتب على هذا الفرض تجاهل قيمة التصفية لعناصر الموجودات والمطلوبات عند اعداد القوائم المالية الدورية ومن هنا يجب التركيز على قائمة المركز المالي تبعاً لهذا الفرض ، أما في حالة التصفية فتحل قائمة نتيجة الأعمال محل قائمة المركز المالي كما يجب التركيز أيضاص على كون القوائم المالية المختلفة حلقات متراطبة من عمر المشروع تبدا التالية منها من حيث انتهت سابقتها ، أما في حالة توافر ما يدل على أن للوحدة الاقتصادية عمر محدوج فيجب أن يظهر اثر ذلك بوضوح عند اعداد القوائم المالية سواء من حيث الشكل أو المحتويات ووصف البيانات التي تظهر فيها ، وأما في شركات انتاج النفط العادية فإنها تركن إلى هذا الفرض وتلتزمه ولكن يلاحظ من جهة أخرى أن بعض مشغلي الآبار من الافراد لا ينوون الاحتفاظ بها حتى يتم انتاج كل الزيت الموجود بها ولذلك لا يعتبرون كثيراً بهذا الفرض المحاسبي .
المبادئ المحاسبية
أ - مبدأ التكلفة التاريخية ( التقييم على أساس التكلفة ) : التكلفة أو النفقة هي ذلك المبلغ المدفوع أو المتعهد بدفعه مقابل منفعه اقتصادية وهذا المبدأ هو القاعدة التي يسير عليها المحاسبون في اجراء القيود لتقييم الأصول على أساس تكلفتها الفعلية التاريخية أو تلك التكلفة ناقصاص الاستهلاك أو النفاذ مع استبعاد كل زيادة في القيمة نتيجة للتغيرات في مستوى الأسعار أو الزيادة في الكميات كالإحتياطي النفطي مثلاً ، وقد تعرض هذا المبدأ لكثير من الانتقادات نتيجة ارتفاع الاسعار المستمر حيث أصبحت قيم الأصول الثابتة الموجودة بالدفاتر والقوائم المالية لشركات النفط لا تتمشى إطلاقاً مع الأثمان الاستبدالية كما أن الإستهلاك أو النفاذ المبني أو المحسوب على أساس التكاليف الفعلية أصبح أقل بكثير لدى شركة ما عن مثلتها التي تحسب الاستهلاك أو النفاذ بالنسبة لممتلكات شبيهة لكنها حصلت عليها حديثاً وعلى الرغم من كافة الانتقادات إلا أن ارباب صناعة النفط لم يتناولوه بالنقد مما يمكن معه الافتراض أنه مبدأ مقبول في هذه الصناعة بالإضافة إلى كونه مكمل لمبدأ مقابلة الإيرادات بالمصروفات كما يعتبر امتداد لمبدأ تحقق الإيراد ويتمشى مع سياسة الحيطة والحذر التي تلعب دوراً كبيراً في السياسة المحاسبةي النفطية نظراً لتميز هذه الصناعة بعنصر عدم التأكد .
ب - مبدا مقابلة الايرادات بالنفقات : طبقاً لهذا المبدا يتحدد الربح الخاص بفترة مالية معينة بمقدار الإيراد الخاص بتلك الفترة ناقصاً التكاليف اللازمة لانتاج هذا الإيراد ويوجد اساسان للربط هما :
1- الأساس النقدي : حيث يعتبر ايراد الفترة ما تم قبضه أو استلامه نقداً بغض النظر عن وقت تحققه كما تعتبر تكاليف الفترة ما تم دفعه خلالها بغض النظر عن وقت نشأتها .
2- أساس الاستحقاق : وهنا يعتبر ايراد الفترة ما تحقق فعلاً خلالها بصرف النظر عن وقت قبضه نقداًكما تعتبر تكاليف الفترة المالية ما نشأ خلالها بصرف النظر عن وقت دفعه نقداً .
ومن الجدير ذكره أن شركات انتاج النفط تسير على اساس الاستحقاق فيما خلا كميات انتاجها المخزونة بالمستودعات والتي لها سعر معلن وطبقاً لمبدأ تحقق الإيراد في شركات انتاج النفط يعتبر هذا الانتاج متحقق الايراد فور استخراجه .
ج - تحقق الإيراد : يتحقق الإيراد في شركات النفط بمجرد الانتاج بسبب وجود سعر معلن وتحول الأصل المتناقص إلى أصل متداول بمجرد استخراجه من باطن الأرض .
السياسات المحاسبية
أ - سياسة الحيطة والحذر : والتي تنادي بتجاهل الأرباح التي لم تتحقق بعد وأخذ كل الخسارة المتوقعة بالحسبان وهناك الكثير من الانتقادات لهذه السياسة ولكنها ما زالت القاعدة العامة المتبعة عند اعداد الحسابات الختامية وهي ذات أثر كبير في محاسبة النقط والأصول المتناقصة الأخرى حيث يستند اليها في اعتبار الكثير من مصاريف البحث والتنقيب والاستكشاف بالمصاريف الايرادية .
ب - سياسة الاهمية النسبية : وهي التي تدعو إلى أخذ قيمة البند أو العنصر بالنسبة لبقية القيم المكونة لنفس الموجموعة بعين الاعتبار عند معالجته بالدفاتر والسجلات وبالطرق الفنية الملائمة ومن هنا قد يهمل المخزون النفطي الموجود بالمستودعات أخر المدة سواء في قائمة نتيجة الأعمال أو قائمة المركز المالي لا لشي سوى أن كميته وبالتالي قيمته ضئيلة بالنسبة لبقية الموجودات وعناصر الايرادات كما قد تدمج بعض المصروفات في حساب واحد حيث أنها اذا فصلت تبدو دلالتها غير ذات قيمة أو معنى .
ج - سياسة الثبات : وهي التي تدعو الى اتباع نفس المبدأ أو الطريقة المحاسبية من سنة لخرى في معالجة العمليات المالية سواء عند قياس الأرباح الدورية أو عند تبويب البنود المختلفة المكونة للحسابات الختامية والميزانية حتى يمكن من إجراء المقارنات السليمة بين القوائم المالية عبر السنوات ومن مشروعى إلى أخر .
د - سياسة الشمول أو الافصاح التام : وهي تعني أن تكون القوائم المالية واضحة ومعبرة عن نشاط المشروع ومركزه المالي مع الابقاء على الشمول التام وهي تقضي أيضاً باظهار أية معلومات جانبية ذات أهمية نسبية ف ملاحق للقوائم المالية الختامية .