كانت الإنتاجية وما زالت من أهم الموضوعات التي تفرض نفسها على ساحة البحث أمام الباحثين من المتخصصين والمهتمين بالتنمية الاقتصادية والإجتماعية سواء في الدول المتقدمة أو النامية لذا كان لا بد أن أتناولها هنا بشكل عام مع التركيز على إنتاجية العمل الذي يعتبر من أهم المحددات الرئيسية للإنتاجية وبالتالي فسوف أضع هذه التدوينة تحت قسم الموارد البشرية .
لقد شهد مفهوم الإنتاجية تطوراً ملموساً مع تطور الفكر الإقتصادي والإداري خلال الفترة الماضية ، فلقد اهتم الاقتصاديون في البداية بإنتاجية العمل وخاصة المتأثرين منهم بالفكر الماركسي الذي يرجع جميع الإنجازات المحققة إلى الجهد البشري ،
بينما اهتم المتأثرون بالفكر الرأسمالي بعلاقة الإنتاج بالنسبة لكل عنصر من عناصر الإنتاج على حده ، أو علاقة كمية الإنتاج بجميع العناصر التي ساهمت في العملية الإنتاجية ، أما الإداريون والمهندسون فقد اهتموا بالتقنية وذلك من خلال تبسيط طرق العمل وترشيد طرق الأداء في المرحلة الأولى ثم بإشباع دوافع الأفراد وتحقيق الرضا في المرحلة الثانية وبالتكامل العضوي والإشتراك في تحديد الأهداف ووضع الخطط والإثراء الوظيفي والإدارة بالأهداف في المرحلة الثالثة .
بينما اهتم المتأثرون بالفكر الرأسمالي بعلاقة الإنتاج بالنسبة لكل عنصر من عناصر الإنتاج على حده ، أو علاقة كمية الإنتاج بجميع العناصر التي ساهمت في العملية الإنتاجية ، أما الإداريون والمهندسون فقد اهتموا بالتقنية وذلك من خلال تبسيط طرق العمل وترشيد طرق الأداء في المرحلة الأولى ثم بإشباع دوافع الأفراد وتحقيق الرضا في المرحلة الثانية وبالتكامل العضوي والإشتراك في تحديد الأهداف ووضع الخطط والإثراء الوظيفي والإدارة بالأهداف في المرحلة الثالثة .
ونتيجة لهذه الإهتمامات المتعددة لذوي التخصصات المختلفة التي حدثت خلال الفترة الماضية ، فقد تعددت المفاهيم المتعلقة بالإنتاجية الكلية والإنتاجية الجزئية وفيما يلي أهمها :
أ- مفهوم الإنتاجية الكلية :
على الرغم من اختلاف المفاهيم الإقتصادية والإدارية حول الإنتاجي الكلية إلا أن معظمها تشير إلى العلاقة بين المدخلات والمخرجات فمثلاً تعرف الإنتاجية طبقاً للمفهوم الإقتصادي بأنها " العلاقة بين الناتج ( المخرجات ) وجميع عناصر الإنتاج التي استخدمت في الحصول على هذا الناتج ( المدخلات ) ، بينما تعرف الإنتاجية من وجهة النظر الإدارية بأنها " عبارة عن نسبة المخرجات التي يتم الحصول عليها باستخدام مدخلات معينة حسب معايير محددة وأهداف يتم تقريرها مسبقاً " أو بأنها " الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة في الحصول على أفضل النتائج المطلوبة " .
ومع أن هذه المفاهيم تشير إلى أن الإنتاجية ما هي إلا مقياس لمدى الكفاءه التي يتمتع بها الفرد أو الوحدة الإقتصادية أو القطاع في تحويل المدخلات المختلفة من مواد وعمل ....إلخ إلى مخرجات تتمثل في سلع أو خدمات إلا أن المفهوم الإداري يبين أن الإنتاجية لا تقتصر فقط على قياس الإنتاج أو الوحدات المنتجة ولكنها أيضاً تنبئ عن كيفية استخدام الموارد المتاحة وتنسيقها وتشغيلها للحصول على النتائج المطلوبة ومن ثم فهي تشمل تلك العلاقة المتفاعل بين عدد من العناصر الفنية والتنظيمية والإنسانية في مكان العمل .
ب- مفهوم الإنتاجية الجزئية:
يقصد بالإنتاجية الجزئية قياس تأثير أحد عناصر المدخلات للعملية الإنتاجية على الناتج النهائي وذلك من خلال قسمة الناتج ( المخرجات ) على العنصر المراد قياسه سواء أكان عنصر العمل أم المواد الأولية أم رأس المال أم الطاقة فمثلاً تعرف إنتاجية عنصر العمل بأنها " العلاقة بين العمليات الإنتاجية وكمية العمل المستخدم في تلك العمليات " أو بالأحرى هي " علاقة صافي النتائج المحققة بعدد العمالة المستخدمة في عملية أو عمليات إنتاجية معينة خلال فترة زمنية محددة " .
يتضح من العرض السابق لبعض مفاهيم الإنتاجية سواء الكلية منها أم الجزئية أن مفهوم الإنتاجية هو مفهوم نسبي يتأثر بعوامل واعتبارات اقتصادية واجتماعية وفنية وبيئية إلى جانب الظروف الخاصة بكل منظمة أو مجتمع ، كما يتأثر هذا المفهوم باهتمامات وتخصصات الكتاب والباحثين المهتمين في هذا المجال وبالتطورات التي تحدث لأدوات العمل ونظم وأساليب الإنتاج وما ينتج عنها من حذف أو إضافة أو إحلال عنصر معين من عناصر الإنتاج محل أخر مما يجعل ثبات هذا المفهوم أو الاتفاق حوله أمراً يصعب حدوثه .
إن الانتاجبة هي عبارة عن حصيلة التفاعل بين العوامل المادية والبشرية والتي يتم العبير عنها من خلال العلاقة بين المخرجات ( كمية أو قيمة ) وإجمالي المدخلات أو إحداها بهدف التعرف على مدى نجاح فرد أو منظمة أوقطاع في استغلال الإمكانات المادية والبشرية المتاحة أو إحداها خلال فترة زمنية معينة للوصول إلى أهداف محددة سلفاً قد تكون هذه الأهداف إنتاج سلعة أو خدمة أو فكرة ينتفع بها الآخرون ويساهم بها في تحقيق رفاهية المجتمع .
ج - أهمية الإنتاجية :
تعد الإنتاجية بمثابة المحور الرئيسي للنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في اي مجتمع فعن طريق زيادة الإنتاجية وتحسين مستواها يتم إحداث زيادة فعلية في دخول الأفراد وبالتالي توليد المدخرات التي يمكن من خلالها إيجاد استثمارات إضافية تدعم النظام الإقتصادي وتوفر فرص عمل جديدة وتحقق مزيداً من التقدم والرفاهية لأفراد تلك المجتمعات .
وتزيد أهمية الإنتاجية في الدول النامية والأقل نمواً وذلك لما تواجهه هذه الدول من مشاكل تتمثل في التخلف الإقتصادي والإجتماعي الناتج عن سوء استخدام الموارد المتاحة للانتفاع سواء المادية أو البشرية فمشكلة التخلف لا ترجع إلى قلة الموارد المادية والبشرية وإنما ترجع في الأساس إلى سوء استغلال عناصر الإنتاج المتوفرة والوصول بمستوى إنتاجيتها كماً ونوعاً إلى المستوى المطلوب .
ثانياً : محددات الإنتاجية :
قبل أن أتطرق إلى محددات إنتاجية العمل فلا بد من الإشارة في البداية إلى محددات الإنتاجية الكلية أو ما تسمى بالعوامل التي تعوق نمو الإنتاجية بصورة عامة سواء كان ذلك على مستوى الإقتصاد الوطنى ككل أم على مستوى القطاع أو الوحدة الإقتصادية أو الفرد .
أ- محددات الإنتاجية الكلية :
نظراً لتعدد العوامل التي تؤثر على الإنتاجية الكلية فقد قام المهتمون في هذا المجال بتصنيف هذه العوامل إلى مجموعات متشابهة وفقاً لأسس معنية ومن هذه المجموعات مجموعة العوامل الفنية ومجموعة العوامل الإنسانية وفيما يلي شرح موجز عن ذلك :
مجموعة العوامل الفنية :
تلعب مجموعة العوامل الفنية دوراً أساسياً في التأثير على الإنتاجية فكمية ونوع المعدات المستخدمة التي تعرف برأس المال الثابت وكذا جودة المواد الأولية وطرق وأساليب الإنتاج المتبعة والمواصفات المختلفة للمنتجات .
مجموعة العوامل الإنسانية :
تتسم هذه العوامل التي تؤثر على أداء العنصر البشري بالتعدد والتشابك ما يجعل تحديد أثر كل منها على الإنتاجية بصورة منفردة أمراً صعب التحقيق .
وعلى الرغم من أن مجموعة العوامل الفنية ومجموعة العوامل الإنسانية التي سبق الإشارة إليها تعد أهم العوامل التي تؤثر على الإنتاجية الكلية إلا أن هناك عوامل أخرى لا يمكن إغفالها عند دراسة محددات الإنتاجية ومن أهم هذه العوامل النظام الإقتصادي والسياسي والإجتماعي القائم والتشريعات السائدة في المجتمع حيث تؤثر هذه الأنظمة على الإنتاجية وذلك من خلال القيود التي تضعها على أنواع معينة من النشاط الإقتصادي .
ب - محددات إنتاجية العمل :
يمكن القول ان العوامل التي تؤثر على إنتاجية العمل لا تقتصر فقط على مجموعة العوامل المكونة للقدرة ومجموعة العوامل المكونة للرغبة وإنما أيضاً تتأثر بحجم العمالة المتاحة في المنظمة أو القطاع خلال فترة زمنية معينة ، حيث تؤثر هذه العوامل مجتمعة على إنتاجية العمل نظراً لوجود علاقة بينهما وهي العلاقة التي يمكن التعبير عنها بالمعادلة التالية :
إنتاجية العمل = حجم العمالة مضروباً في مستوى الأداء
فحجم العمالة يمثل إجمالي عدد الأفراد الذين ينتمون إلى المنظمة أو القطاع خلال فترة زمنية معينة فإذا كان هذا العدد لا يتفق مع متطلبات العمل الفعلية من كل فئة مهنية فإن ذلك سيؤثر على إنتاجية العمل لأن أي زيادة أو نقص في عدد العمالة عن العدد اللازم لأداء العمل سينعكس أثره على تكاليف العمل وذلك إما على شكل زيادة في النفقات نتيجة لما يدفع للعمالة الزائدة من أجور وحوافز أو على شكل خسائر تحدث في حالة نقص عدد العمالة عن العدد المطلوب نتيجة لما ينجم عن النقص من تأخير في الإنتاج أو توقف بعض الأعمال أو تأخيرها أو تحميل العمالة واجبات أكثر من طاقاتها وهذا كله يؤدي إلى حدوث خسائر تزيد من تكاليف العمل وتقلل من العائد ومن ثم تؤثر على مستوى الإنتاجية .
أما مستوى الأداء فيقصد به الجهد المبذول من فرد أو مجموعة من الأفراد سواء بمساعدة الآلة أو بدونها خلال فترة زمنية معينة وتشكل القدرة والرغبة العوامل الأساسية التي تؤثر على مستوى الأداء ومن ثم على الإنتاجية فإذا لم يكن لدى الفرد القدرة على القيام بما يناط به من أعمال فإن أداءه الفعلي سيكون ضعيفاً حتى وإن كانت لديه رغبة كبيرة في العمل وبالمثل فإن الفرد الذي لا يشعر برغبة حقيقية في إنجاز الأعمال أو المهام التي كلف بها فإنه لا يمكن أن يؤدي عمله بشكل جيد حتى وإن كانت لديه مقدرة كبيرة على أداء العمل وبالتالي فإن عاملي القدرة والرغبة هما عاملان متكاملان يساهمان سوياً في تحديد مستوى الأداءويمكن التعبير عن ذلك بالمعادلة التالية :
مستوى الأداء = القدرة مضروباً في الرغبة
فالقدرة يقصد بها تمكن العمالة من أداء الأعمال الموكلة إليها بالدرجة المطلوبة من الإتقان يوتحكم بالقدرة البشرية متغيران أساسيان هما المعارف والمهارات فإذا ما توفر هذان المتغيران بالقدر والنوع المطلوبين فإن مستوى الأداء سيرتفع وفيما يلي عرض موجز لكل منهما :
فالمعارف تمثل حصيلة المعلومات التي تتوفر لدى الفرد وتتعلق بالعمل الذي يؤديه وتتكون المعارف عادة من خلال التعليم الذي يتلقاه الفرد والبرامج التدريبية التي يحصل عليها والقراءات التي يقوم بها بالإضافة إلى المعلومات التي تتكون لدى الفرد أثناء حياته العملية والتي تأتي إما عن طريق زملائه أو رؤسائه في العمل أو من خلال إطلاعه على الأدلة التنظيمية وأدلة الإجراءات وطرق العمل ...إلخ كل هذه العوامل تساعد على تكوين المعارف التي تؤثر على قدرة العمالة ومن ثم على مستوى أدائها .
والمهارات يقصد بها إلمام الفرد بأساليب العمل وأدواته بالقدر الذي ينكنه من القيام بأدائه على الوجه المطلوب وتشكل المهارات بنوعيها الفكرية والجسمية البعد الثاني للقدرة وتتكون عادة من خلال الممارسة الفعلية للعمل والتدريب العملي الذي يتم أثناء التعليم أو بعده ، فالتعليم والتدريب والممارسة الفعلية تعمل على إكساب الفرد مهارات جديده وتصقل مهاراته السابقة التي يحتاجها العمل وتمكنه من إجادة عمله وإتقانه .
وأما الرغبة فهي تمثل البعد الثاني للأداء وتتعلق الرغبة بدواقع الأفراد التي تختص بالسلوك ولذلك فهي أصعب من القدرة من حيث تكوينها أو معالجتها أو التنبؤ بها أو معرفة أثارها ، وأهم العوامل التي تؤثر على الرغبة هي الاتجاهات والمواقف حيث توجد علاقة فيما بينهما ويعبر عنهما بالمعادلة التالية :
الرغبة = الاتجاهات مضروباً بالمواقف
فالاتجاهات تتكون خلال مراحل حياة الفرد المختلفة بداية بالأسرة والمدرسة ومروراً بالتجارب الشخصية التي يمر بها وتتأثر إتجاهات الفرد بعوامل خارجية مثل القيم والمفاهيم الإجتماعية والعادات السائدة والتكوين الشخصي والتربية والظروف الاقتصادية والإجتماعية ، ونظراً لأن الاتجاهات هي عبارة عن حال فكرية أو مجموعة أراء تتكون في ذهن الفرد نحو الأشياء التي حوله فإن التعرف على هذه الإتجاهات يحتاج إلى إستخدام وسائل معينة مثل الإستقصاء والمقابلة إلى الإستعانة ببعض المؤشرات الأخرى مثل معدلات الأداء والغياب ودوران العمل والتأخير والتأخير والشكاوي إذ أن هذه الأمور تعبر في الغالب عن عدم رضا العاملين عن العمل الذي يؤدونه ويمكن توجيه اتجاهات العاملين نحومسارها الصحيح عن طريق حسن التخطيط وتهيئة الظروف المناسبة .
أما المواقف فيقصد بها مجموعة الأحداث والظروف التي يواجهها الفرد في مكان وزمان معين فمثلاً العاملون في المنظمة يواجهون مواقف مختلفة عند تعاملهم مع الرؤساء والمرؤسين والمتعاملين والآلآت حيث تتفاعل هذه المواقف مع اتجاهاتهم فينتج عن هذا التفاعل سلوك معين يؤثر على أدائهم لأعمالهم فإذا كانت المواقف إيجابية فإنها ستعزز الاتجاهات الإيجابية للعمالة نحو أعمالها أما إذا كانت المواقف سلبية فإن ذلك سيؤدي إلى أحد أمرين : إما أن يظل العامل على اتجاهه الإيجابي نحو عمله وهو الجد والإخلاص فيه على الرغم من سلبية الموقف وهذا لا يتأتى إلا إذا كان العامل قوي الإيمان ثابت المبادئ يدرك رسالته في الحياه أو أن يتغير اتجاهه نحو العمل فيصبح سلبياً لا يجد فيه ولا يخلص في أدائه وفي هذه الحالة تصبح علاقته بالعمل علاقة غير عضوية ومستوى أدائه منخفضاً واحتمال استمراره بالعمل ضعيفاً ولذلك كان لا بد من التعرف على هذه الجوانب التي تؤثر على عنصر الرغبة ليس فقط عند تحديد العوامل التي تؤثر على إنتاجية العمل وإنما عند دراسة العمالة المتاحة .
قياس الإنتاجية
يقصد بقياس الإنتاجية دراسة العلاقة بين المخرجات وإجمالي المدخلات أو إحداها خلال فترة زمنية معينة وذلك بهدف التعرف على النتائج التي تم التوصل إليها في تلك الفترة وتتطلب دراسة هذه العلاقة تحديد كل من أهداف القياس وأساليبه وذلك حتى يمكن التوصل إلى المؤشرات الكمية المطلوب توفيرها .، فالهدف من القياس ليس فقط الوصف والتفسير للإنتاجية وإنما أيضاً تحديد المسببات التي أدت إلى إنخفاض الإنتاجية أو إرتفاعها وتمكين الإدارة من اتخاذ القرارات المناسبة .
وعلى الرغم من تعدد طرق قياس الإنتاجية وتباينها فإنه يمكن أن نورد أهم الطرق وذلك على النحو التالي :
طرق قياس الانتاجية الكلية : تستخدم هذه الطريقة لدراسة وتحليل العلاقة الكلية بين المخرجات وبين المدخلات ويعطي هذا المقياس صورة إجمالية للإنتاجية التي تعبر عن كفاءة الإدارة وفاعليتها في توظيف الموارد المتاحة .
طرق قياس الإنتاجية الجزئية : نظراً لصعوبة تحديد التأثير الذي يسببه أي تغيير يحدث لأي عنصر من عناصر الإنتاج على المحصلة النهائية للإنتاجية في ظل المؤشرات الكلية ولعدم القدرة على تحديد مسببات هذا التغيير في هذه الحالة فإنه لا بد من قياس الإنتاجية الجزئية وذلك حتى يمكن الحصول على المؤشرات المتعلقة بكل عنصر من عناصر الإنتاج موضع القياس على حده وبالتالي التعرف على مدى كفاءة وفاعلية استخدام هذا العنصر في العمليات الإنتاجية .