لقد شهد يومي الخميس والجمعة الماضيين مشهدا غير عادي للأسهم الأمريكية والخزانة والدولار حيث هبطا في الوقت ذاته ، لقد انخفض سعر ال 10 سنوات من الأسهم المستحقة في الأسبوع الماضي أكثر من أي أسبوع مضى منذ يونيو 2008؛ وارتفع المعدل فوق 3.4% للمرة الأولى منذ نوفمبر الماضي وهبط الدولار إلى 1.4000 بشكل أدنى من اليورو للمرة الأولى هذا العام وكانت خسارته بنسبة 3.6% للأسبوع أكبر انخفاض مقابل اليورو بعد أن انحدر بنسبة 4.8% في مارس لمدة خمسة أيام حتى تاريخ ال 20 منه وانخفض مؤشر داو أربعة أيام من أصل خمسة، وارتفع اكثر من 200 نقطة يوم الاثنين ولكنه أنهى الأسبوع بشكل مستقر.
وكانت كافة الأسواق الثلاثة تقوم بالاستجابة الى نفس الحافز: الكمية الهائلة من الديون، و 3.25 تريليون دولار التي ينبغي على حكومة الولايات المتحدة أن تبيعها بحلول نهاية سنتها المالية في 30 سبتمبر لتمويل عجزها التشغيلي، ومختلف عمليات الإنقاذ المالي، ومدفوعات الحوافز الاقتصادية.
بالنسبة لسوق السندات فان العرض الكبير للإصدارات الحالية المؤجلة كان يهدد بتجاوز الطلب. فليس هو أن الحكومة لن تكون قادرة على بيع الديون وتمويل العجز، أنها ستكون قادرة، ولكن السؤال هو ما هي التكاليف؟. إن ارتفاع أسعار سندات الخزانة سوف يضيف زيادة العجز بقوة الى تكاليف التمويل الحكومية وقد يقوموا بزيادة دفع القروض العقارية ورفع أسعار الفائدة للمستهلكين، كما أن مجلس الاحتياطي الاتحادي يقوم بالسعي للحفاظ على معدلات منخفضة لتشجيع الإنفاق الاستهلاكي والنمو الاقتصادي.
ان الأزمة بالنسبة الى مجلس الاحتياطي الاتحادي والى بن برنانكي هي شديدة. لقد أعلن مجلس الاحتياطي في 18 مارس بأنه سيشتري 300 مليار دولار من ديون الولايات المتحدة خلال الأشهر الستة المقبلة ومنذ ذلك الحين فقد زادت عائدات سندات العشر سنوات 92 نقطة أساسية إلى 3.45% ومؤشر الدولار الذي يتابع العملة الأمريكية مقابل سلة اليورو والين والجنيه والفرنك السويسري والدولار الكندي والكرونة السويدية قد فقد 11% منذ ارتفاع 4 مارس. لقد تضمنت تقارير لجنة فتح السوق الاتحادية التعليقات الواردة من بعض المسئولين بالبنك المركزي والتي أشارت إلى ان المزيد من عمليات شراء الأصول قد تكون ضرورية لضمان الانتعاش الاقتصادي.
ولكن في البيئة الاقتصادية الراهنة، وخصوصا في ظل الحكومة التي لم يسبق لها مثيل لاحتياجات التمويل، وشراء بنك الاحتياطي الفيدرالي الواسع للأوراق الحكومية والتي يطبق عليها 'تخفيف الكمية' قد يسبب ضررا كبيرا مثلما يسبب أمورا جيدة. ان "تخفيف الكمية" أو تسييل الدين الحكومي يؤدي إلى زيادة المعروض من النقد ويؤجج المخاوف من التضخم في المستقبل كما أنه يسهم مباشرة في هذا التضخم عن طريق تقويض الدولار وزيادة التكلفة بالدولار لأسعار السلع الأساسية مثل النفط الخام والذي يؤدي الى تضخم أسعار المستهلكين. ان سعر 4.00 دولار لغالون البنزين في الصيف الماضي كان سببه بشكل جزئي على الأقل هو ضعف الدولار عموما. لقد بدأت أسعار النفط والدولار بالتحركات العكسية في غضون أيام من بعضها البعض في تموز، وكسبت أسعار النفط مرة أخرى في الأسابيع القليلة الماضية على الرغم من أنه لم يحدث تغيير أو احتمال لزيادة الطلب عليها. ان خفض قيمة الدولار يجعل أيضا الكثير من الأوراق المالية الأمريكية أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب الذين هم أهم المشترين لديون حكومة الولايات المتحدة.
ان توقع ارتفاع المعدلات الأمريكية في الحالة الاقتصادية الطبيعية سوف يدعم الدولار ولكن هذه الأجواء ليست عادية. وبالنسبة لهذه المرحلة لمستوى الركود مع النمو السلبي للأرباع الثلاثة التي مرت، وانخفاض المعدلات عموما والكميات الهائلة من السيولة المضافة, فانه من الطبيعي أن تتحول الأفكار إلى بداية دورة رفع أسعار الفائدة لمجلس الاحتياطي الاتحادي وسوف يتبع الدولار هذه الأفكار بشكل مرتفع.
ولكن سياسة معدل بنك الاحتياطي الفيدرالي هي مفروضة بسبب الركود وبدون هوادة، والسبب هو بقايا الأزمة المالية والمصرفية، والخوف من تصاعد الأسعار الانكماشية. ان بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يستطيع رفع أسعار الفائدة ومع قدرته على مكافحة التضخم الى ما يقرب من الصفر بالنسبة للمستقبل القريب، فإن احتمال ارتفاع معدلات الخزانة يعني بشكل وحيد تسهيل كمية بنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل أكبر للحفاظ على انخفاض معدلات الرهن العقاري وعلى المستهلك، وعدم زيادة خطر التضخم.
ان تضاعف أو تسليط الضوء على مشكلة ديون الولايات المتحدة كان حسب تصنيف وكالة ستاندرد أند بورز (اس اند بي) لخفض مستوى توقعات ديون المملكة المتحدة السلبية الى الحياد وقد صرحت وكالة ستاندارد اند بورز بأن المملكة المتحدة تواجه الفرصة الأولى بين الفرص الثلاثة لتصنيف التخفيض كمجموع لديونها التي تقترب من نسبة 100% من الناتج المحلي الإجمالي.
إذا كانت المملكة المتحدة في خطر، فما هو وضع الولايات المتحدة مع الاحتياجات التمويلية الضخمة؟ ان المخاطر التي تعرض لها العالم في النظام الاقتصادي والمالي في الشهور التسعة الماضية والتي عملت بقوة لصالح العملة الأمريكية باعتبارها ملاذا آمنا للتجارة قد حلت محلها مخاطر وعلى وجه التحديد الى الدولار من عبء الديون والعجز الأمريكي.
ان دين الولايات المتحدة حاليا هو نحو 80% من الناتج المحلي الإجمالي. ان "كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة لديها عجز بنسبة 10% سنويا بحيث يمكن رؤيته بالعين" كما صرح بيل غروس الرئيس التنفيذي للاستثمار في إدارة الاستثمارات من منطقة المحيط الهادئ (Pimco) من نيوبورت بيتش بولاية كاليفورنيا في مقابلة مع تلفزيون بلومبرج. "في مرحلة ما خلال السنوات القليلة القادمة فأنهم (الولايات المتحدة) قد يقتربون الى نسبة 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو المستوى الذي تميل الدولة الى تخفيضه." وقال "لقد بدأت الاسواق تتوقع احتمال" التخفيض الكبير للمعدلات الأمريكية على الرغم من ذلك وانه "من المؤكد ان لا شيئا سيحدث في يوم وليلة"، وقال أيضا "في نهاية المطاف أن "الولايات المتحدة سوف تفقد أعلى معدلاتها.
ان ارتفاع أسعار سندات الخزانة الأمريكية في حال تبين وجود فائض في أصول الدولار هو أمر خطير بالنسبة لوضع الدولار باعتباره العملة الاحتياطية في العالم وان احدى الوظائف الأساسية لاحتياطي العملة هي مخزون القيمة لأصول السيولة، وإذا كان المستثمرون يتطلعون إلى المستقبل ويرون فقط تزايد توريد الدولار المتضخم بأرقام كبيرة قد تتجاوز معدل النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، والتي اصدرتها واشنطن لتمويل عجزها، فان الشكوك التي تحاول الولايات المتحدة بموجبها ازالة حجمها للدين الكبير سوف تكتسب المصداقية.
ان عمل الإدارة الحالية ليس مجرد إصدار سجل الدين للسنة الحالية أو المقبلة ولكن عملها هو أن تقوم بتخطيط سجل العجز في المشاريع للسنوات العشر القادمة وموقف الحكومة هو أن هذا الحجم من الديون هو أمر ضروري لمساعدة الولايات المتحدة على تجنب التأثير الأسوأ للركود. لقد تم التنديد بالطبيعة السياسية للكثير من إنفاق الحوافز من قبل منتقدي الإدارة واذا كانت مخاوف المنتقدين دقيقة وتأكيد الميزانية في غير محله، ولم تنتج الحوافز انتعاشا اقتصاديا كبيرا بحلول نهاية السنة، فإن العجز والديون سوف تؤثر بشدة على مستقبل الدولار.
إذا كانت أسواق الائتمان قادرة على امتصاص إصدار سندات العملة الأمريكية خلال الأشهر الثلاثة القادمة دون القيام برفع أسعار الفائدة واذا بدأ الاقتصاد الأمريكي باظهار اشارات النمو الإيجابي في بداية الربع الرابع، حينئذ تصبح المرحلة جاهزة لاعادة الدولار الى القوة ولكن اذا استمرت معدلات الخزانة بالارتفاع وتم اجبار بنك الاحتياطي الفيدرالي على نطاق واسع لتسهيل الكمية ليتم احتوائها حينئذ يمكن أن يكون حكم السوق مقابل الدولار قاسيا في الواقع.