لقد تلاشت وظائف القطاع المالي في نيويورك ولندن وتلاشى التسديد المالي للحكومة حيث تواجه مدينة نيويورك وحكومات الولايات العجز الذي قدر بمليارات الدولارات أما في بريطانيا فقد كان لها أقل من أي وقت مضى أدنى معدل فائدة حدده بنك إنجلترا خلال 315 سنه من تاريخه . فقد راهنت كل من بريطانيا وأمريكا بشكل كبير على اقتصاد الخدمات المالية ولكن هذا الرهان لم يمضي بشكل جيد حيث أن فشل بيوت الاستثمار في شركة ليمان Shearson والذي تمثل القطاع المصرفي بكامله قد خيب الآمال بين عشية وضحاها والسؤال هنا
هل كان هذا الرهان هو ما جعل اقتصاديات بريطانيا وأمريكا أقل قدرة على تجاوز الركود ؟ أم أن الاقتصاديات التي أبقت على نسبة أكثر من صناعاتها التحويلية أكثر مرونة في مواجهة الأزمة المالية .
إن تداول الاقتصاديات الأمريكية والبريطانية خلال السنوات الثلاثين الماضية تركز في قطاع الخدمات المالية التي تميل إلى أن تكون شركات معرفة مكثفة وذات قدرة عالية على الاستفادة من ثورة المعلومات والكفاءات فمثلا انتقلت قطاعات الصناعات القديمة متمثلة في شركات أمريكية أو بريطانية الأصل للعمل في البلدان ذات الأجور المنخفضة كالصين والهند وماليزيا وغيرها من بلدان الأسواق الناشئة في سعيها لزيادة الأرباح وتخفيض التكاليف . كما أن اقتصاديات هاتين الدولتين يقوم على النموذج الاقتصادي الذي يعمل على تحمل الاضطراب الاقتصادي والبطالة من أجل تحقيق الكفاءة والمرونة الإنتاجية مع القليل من الحماية والاهتمام للعمال أو أولئك الذين تم عزلهم بسبب أعمالهم الإبداعية الكامنة ويسمى هذا النموذج " الأنجلوسكسوني " وهذا النموذج يتم انتقاده غالبا في أوروبا وفي الاتحاد النقدي الأوروبي نظرا لميوله الجشعة المفترضة والذي يرجع بنا إلى ذكرى القبائل التي حققت الانتصارات على انكلترا والمتحضرين البريطانيين الرومانيين في القرن الخامس .
أما ألمانيا وفرنسا وايطاليا فقد كانوا أكثر قلقا من شركات التصنيع الوطنية حيث تم نقل عدد من الوظائف إلى الخارج إلا أن الركود العالمي قد أصاب التوظيف أولا وبشكل اشد في القطاع المالي ثم ضرب اقتصاديات اليورو بقوة فقد كان الناتج الصناعي في الاتحاد النقدي الأوروبي سلبيا في ثمانية أشهر من عشرة حتى نوفمبر من العام الماضي وفي ألمانيا انخفض الناتج بمعدل سنوي بلغ 15.1 % في الأشهر الثلاثة حتى نوفمبر وفي فرنسا كان الانخفاض بمعدل 14.5 % وفي ايطاليا كان 19.5% والبطالة آخذه في الارتفاع من 7.2 % في بداية عام 2008 إلى 7.8 % في نوفمبر الماضي من نفس العام والزيادة في استمرار في عام 2009.
لقد انخفض الاستهلاك في جميع أنحاء العالم وأصيبت الأسواق بالركود الاستهلاكي وعادت الأسواق الناشئة إلى التحرك ببطء والاستثمار بشكل أقل وأصبح الركود وتقييد الاستهلاك هو السمة الغالبة وعلى الرغم من معدلات الادخار المرتفعة في منطقة اليورو عنها في الاقتصاديات الأنجلوسكسونية لكن ارتفاع معدلات البطالة وتفشي الكآبة السائدة تبقي المستهلكين بعيدا عن المتاجر حيث أصبحت ثقة المستهلكين في مستويات منخفضة قياسية .
لقد كان نموذج الاقتصاد الأوروبي على قدر أكبر من الحماية من النماذج الأخرى إلا أن الركود والأزمة أثبتا أنه لا مهرب للجميع و أن المستقبل القريب لن يكون واضحا .